أكد رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس أن أنواع الأضرار الكبيرة والواسعة التي خلفتها كارثة الزلزال على الإنسان والمجتمع تطلبت من الحكومة العمل بشكل دقيق، لتضع توجهاتها وسياساتها في دعم المتضررين، وتبني عليها خطتها لدعمهم ومساعدتهم على الانتقال إلى مرحلة التعافي، مشيراً إلى أنه وفقاً لمبادئ وتوجهات خطة العمل الوطنية التي تم إقرارها فإن مرحلة التعافي وإعادة التأهيل تستهدف مساعدة المتضررين على استعادة حياتهم الطبيعية، وتجاوز تداعيات الكارثة.
وقال المهندس عرنوس خلال مؤتمر صحفي اليوم حول التوجهات الأساسية وخطة العمل الوطنية للتعامل مع تداعيات الزلزال: كل الناس تفكر ما هي خطط الحكومة؟ وماذا ستعمل مع المجتمع للتعامل مع هذا الحدث الكبير الذي ألحق خسائر في الأرواح وأضراراً كبيرة في الممتلكات.. لذلك كان لا بد من تكوين مفاهيم وسياسات عامة تنطلق منها الحكومة لوضع الخطط والبرامج التي ستتعامل بموجبها مع الحدث، حيث عملت الحكومة بالتنسيق الكامل مع مكونات المجتمع، من مجتمع أهلي وجمعيات وهيئات ومنظمات واتحادات لما يصب في المصلحة العامة بشكل كامل.
وأضاف المهندس عرنوس: تم التعامل مع آثار الزلزال منذ اللحظات الأولى لوقوعه في السادس من شباط الماضي، حيث ترأس السيد الرئيس بشار الأسد اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء لبحث تداعيات الزلزال تم خلاله وضع خطة تحرك طارئة على المستوى الوطني تقودها غرفة عمليات مركزية تعمل على مدار الساعة، إضافة إلى فرق ميدانية على الأرض لإنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض وإخراج الجثامين وتأمين السكن والمأوى والخدمات الأساسية والمستلزمات اللازمة لعمليات الإنقاذ والإسعاف.
وأوضح المهندس عرنوس أنه منذ وقوع الزلزال حتى اليوم قطعت الحكومة أشواطاً كبيرة في التعامل مع تداعياته، سواء كان بتأمين مراكز إيواء للمتضررين أو إحصاء البيانات وتشكيل اللجان وحصر الأضرار وإيصال المساعدات لجميع الأسر المتضررة، واليوم انتقلت الحكومة إلى مرحلة أخرى تتضمن تأمين سكن أكثر استدامة لإقامة المتضررين من الزلزال، وتم استئجار العديد من المنازل والمباشرة ببناء 16 مبنى في حلب، ومثلها في اللاذقية كخطوة أولى ومرحلة في التعامل الدائم والطويل مع هذه الكارثة التي أسفرت عن فقدان آلاف الأسر لمنازلها، وخسارة مصادر عيشها، وعن أطفال فقدوا ذويهم وأشخاص أصيبوا إصابات بليغة سببت لهم عجزاً جسدياً، وتطلب الضرر الكبير والواسع الذي خلفه الزلزال على الإنسان والمجتمع من الحكومة العمل بشكل دقيق لتضع توجهات وسياسات لدعم المتضررين، وتبني عليها خططها لمساعدتهم على الانتقال إلى مرحلة التعافي.
وبين رئيس مجلس الوزراء أن التوجهات والمبادئ التي بنيت على أساسها خطة العمل الوطنية انطلقت بشكل جوهري من الإنسان، والضرر الذي لحق به بأنواعه وأشكاله المختلفة ليكون الهدف الأسمى لتلك الخطة هو معالجة أو تخفيف أو إزالة آثار هذا الضرر عنه، حيث حددت الخطة أنواع الأضرار الواقعة على الإنسان بكل أشكالها الجسدية والنفسية والمعنوية والمادية، ليتم إسقاط هذه التصنيفات على قاعدة البيانات الخاصة بالمتضررين، ليصار إلى مساعدتهم استناداً لنوع الضرر اللاحق بكل منهم.
وأشار المهندس عرنوس إلى أن الكارثة التي تسبب بها الزلزال أضرت بشكل مباشر بالبنى التحتية، وبالتالي أضرت بالمجتمع ككل في المحافظات المنكوبة، لذلك أخذت الخطة بعين الاعتبار الضرر الواقع على المجتمع، وحددت أنواعه بشكل دقيق لأنه ينعكس سلباً على حياة الإنسان ما لم يتم التعامل معه بشكل جيد، وهذا الضرر طال مصادر الموارد الطبيعية والبنى التحتية من مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي ومعالجة المياه والإضرار في منشآت القطاع الصحي والشبكات والمحولات الكهربائية وشبكات الاتصال والمدارس ورياض الأطفال والمواقع الأثرية، حيث لم تغفل الخطة وتوجهاتها الضرر في المواقع الأثرية وضرورة التعامل معه لكون هذه المواقع جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية.
ولفت المهندس عرنوس إلى أن المادة 24 من الدستور التي تنص على أن الدولة تكفل بالتضامن مع المجتمع الأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية كانت حاضرة خلال بناء توجهات خطة العمل الوطنية، وبالتالي فإن مسؤولية التعامل مع تداعيات الكارثة هي مسؤولية المجتمع بأكمله (الحكومة والقطاع الأهلي والخاص والجمعيات والأفراد)، وكذلك المجتمع الدولي لأن ميثاق الأمم المتحدة ينص على أنه عند حدوث كارثة طبيعية في أي دولة على المجتمع مساعدتها لمواجهة التداعيات الناجمة عنها.
وبين المهندس عرنوس أن توجهات خطة العمل الوطنية شاملة وتأخذ بعين الاعتبار مختلف أوجه الضرر على المواطن كفرد من جهة وعلى المجتمع من جهة أخرى، وتضع أهدافاً متكاملة وعملية لمعالجة آثاره، كما أن هذه التوجهات تعكس حالة جامعة لمختلف الأدوار الحكومية والمجتمعية ضمن مراحل الاستجابة للكارثة.
وقال رئيس مجلس الوزراء: انطلقت الخطة من أربعة أسس حسب طبيعتها ومرحلة الوقوع، وكان أولها تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية في أعقاب وقوع الكارثة بشكل مباشر، وهذا ما تم إنجازه بالكامل، حيث تم تجهيز مراكز الإيواء بجميع المستلزمات التي تضمن متطلبات الإقامة المناسبة لستة أشهر، وتأمين المأوى لكل متضرر، ونعمل اليوم على إخلاء هذه المراكز وتأمين سكن مؤقت للمتضررين المقيمين فيها بحلول كانون الأول القادم، وسيتم توزيع الاحتياجات الأساسية للمتضررين من غذاء وماء ولباس بشكل منتظم حتى كانون الأول القادم، سواء في مراكز الإيواء التي وفرتها الدولة أو في أماكن استضافتهم عند أقربائهم وأصدقائهم، كما تم تأمين الخدمات الصحية للمتضررين وتزويد كل مراكز الإيواء بمتطلبات الرعاية الطبية، إضافة إلى الخدمات الصحية الأساسية كاللقاح والصحة الإنجابية وأدوية الأمراض المزمنة وحملات التوعية والدعم النفسي في مراكز الإيواء.
ولفت المهندس عرنوس إلى أن الجانب الآخر من الخطة يركز على الأبنية السكنية والتجارية والمنشآت الحكومية والمواقع الأثرية وتقييم وضعها الفني، لاتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها، وتم الكشف على مئات آلاف الشقق، وثبت حتى تاريخه أن نحو 59 ألف بناء يحتاج الى تدعيم، فالكارثة كبيرة والأرقام قابلة للتبدل، وسيستمر الكشف على الأبنية والمنشآت المتضررة حتى تشرين الأول القادم.
وقال المهندس عرنوس: لدينا مجموعة من الأمور تم النظر إليها بشكل مبكر في قطاعات المياه والكهرباء والاتصالات، في مقدمتها السدود وخزانات الكهرباء ومحطات التوليد، ومنح الوزراء صلاحية نقل جزء من اعتمادات وزاراتهم بشكل مباشر لمعالجة آثار الزلزال التي حصلت في الأبنية الحكومية.
وأضاف رئيس مجلس الوزراء: البند الثاني في خطة العمل الوطنية يتضمن مساعدة المجتمعات المتضررة على استعادة حياتها الطبيعية، من خلال تنشيط عجلة الاقتصاد في المناطق المتضررة عبر التعاون بين القطاع الحكومي والخاص والأهلي في إيجاد فرص عمل ومصادر دخل للمتضررين، وبناء برامج تنمية للمشروعات الصغيرة، موضحا أن هناك خططا لإعفاء منشآت التمويل الصغير من العديد من الالتزامات المالية والضرائب لتتمكن من التعامل مع آثار الزلزال بمرونة أكثر، كما سيتم تقديم منح خاصة للمتضررين لاستعادة نشاطهم الاقتصادي، وإعادة تفعيل المنشآت في موعد أقصاه نهاية عام 2024، كما نعمل على إعادة بناء قدرات مراكز الخدمات الصحية المتضررة، حيث تم منح وزارة الصحة الصلاحية لإعادة تأهيلها حتى نيسان 2024.
وأشار المهندس عرنوس إلى أن التركيز عند تقديم الخدمات الاجتماعية للمتضررين ينصب على الشرائح الأضعف في المجتمع، مثل الأيتام وذوي الإعاقة والمسنين بعد دراسة وتحديد الحالات بدقة، والجهة المسؤولة عن هذا النشاط هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي يجب عليها إنجاز ذلك حتى نيسان 2024.
ولفت المهندس عرنوس إلى المرسوم التشريعي رقم /3/ لعام 2023 الذي ينص على أن تمنح المصارف العامة قروضاً لمدة عشر سنوات للراغبين من المتضررين بمبلغ لا يتجاوز مئتي مليون ليرة سورية معفاة من الضرائب والرسوم المالية وبدلات الخدمات والتكاليف المحلية ورسوم الترخيص، بهدف إعادة البناء أو التأهيل الكلي أو الجزئي، وتسدد على أقساط يستحق أولها بعد انقضاء ثلاث سنوات على منح القرض.
وبين المهندس عرنوس أن 4500 أسرة متضررة حتى اللحظة بإمكانها المباشرة بالحصول على هذه القروض التي لا تشكل الوسيلة الوحيدة للتعامل مع تداعيات الزلزال، فالدولة ستقدم كل إمكانياتها في هذا المجال، مشيراً إلى أن المساعدة في تدعيم المباني الخاصة وإصلاح الأضرار التي تسبب بها الزلزال ستتم في موعد أقصاه كانون الأول 2025.
وأوضح المهندس عرنوس أنه تم إحداث صندوق لجمع التبرعات الواردة من المجتمع المحلي والدولي بهدف إعادة تأهيل المناطق المتضررة وتقديم كل الدعم الممكن للمتضررين ضمن أولويات محددة خاصة باحتياجات كل الشرائح المتضررة وفي مقدمتها الذين تهدمت أبنيتهم، مشيراً إلى أنه من المخطط أن يتم الانتهاء من إعادة تأهيل مصادر الموارد الطبيعية المتضررة في كانون الأول 2024، ومن ترميم المواقع الأثرية والثقافية والمباني التاريخية وفق أفضل المواصفات لحمايتها وإعادة استثمارها وتوظيفها بحلول عام 2025.
وأكد المهندس عرنوس أن حقوق المتضررين ممن فقدوا وثائقهم الثبوتية محفوظة، وسيتم تقديم التسهيلات اللازمة لهم لإعادة استصدارها والعمل قائم على قدم وساق من خلال اللجان الفرعية والمجتمع المحلي، وكل السبل متاحة أمام تأمين وثائقهم بأسرع ما يمكن دون تحميلهم أي أعباء مالية، أما الخدمات التعليمية في المناطق المتضررة فهي مفعلة بما يضمن تعويض الفاقد التعليمي وإعادة المدارس المتوقفة واستئناف التعليم، مبينا أنه سيتم إخلاء المدارس المستخدمة كمراكز إيواء في آب القادم لتعود إلى ممارسة العملية التعليمية، فيما سيتم إكمال ترميم المدارس المتضررة وتأمين التجهيزات التعليمية اللازمة في موعد أقصاه كانون الأول 2024.
وبين المهندس عرنوس أن البند الثالث من خطة العمل الوطنية يتضمن تحسين الواقع العمراني ليكون أفضل مما كان عليه قبل الزلزال والحرب الإرهابية من خلال تنظيم المناطق العشوائية وإعادة إعمارها بشكل مناسب وفق اشتراطات سكنية وهندسية قياسية وما قد يتطلبه ذلك من مراجعة الكود الهندسي السوري والإجراءات الناظمة لإشادة المباني.
وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن البنود الثلاثة السابقة للخطة تتطلب توفير مقومات البيئة التمكينية للتعامل مع تداعيات الزلزال بشكل ممنهج، بحيث يتم اتخاذ القرارات الحكومية بناء على قاعدة بيانات دقيقة وشاملة والشراكة مع كل القطاعات عبر تحديد أدوار ومسؤوليات واضحة لكل من الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الراغبة بتقديم المساعدة، بما يضمن تنسيق الجهود وتكامل الموارد ضمن إطار المسؤولية المشتركة لدعم المتضررين، مبيناً أن الجهة المعنية بإدارة هذا الملف محددة من خلال اللجنة العليا للإغاثة لتكون المرجعية في قيادة خطة العمل الوطنية ومتابعة تنفيذها.
وأكد المهندس عرنوس على دور الإعلام الفاعل في مواكبة خطة العمل الوطنية لضمان مشاركة الرأي العام بالمستجدات بشفافية ووضوح، من خلال تعزيز دور وسائل الإعلام كشريك وداعم في مواكبة مراحل الاستجابة لكارثة الزلزال.
ورداً على سؤال حول تأثير الإجراءات الاقتصادية القسرية الغربية على عملية إعادة بناء وترميم الأبنية المدمرة جراء الزلزال، ومدى متابعة معايير أعمال البناء الجديدة لتكون آمنة، أكد المهندس عرنوس أن هذه الإجراءات تؤثر بشكل كبير على كل الشعب السوري، والغرب لم يرفعها، وكل ادعاءاته حول إعفاءات مؤقتة عقب الزلزال كذب وتضليل، وهذه الإجراءات غير الشرعية تطال المواد اللازمة لإعادة بناء ما دمره الزلزال في انتهاك للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الدولة ستستثمر كل الموارد المتاحة لإعادة بناء ما دمّر، وسيتم العمل على إنشاء الأبنية الجديدة وفق معايير محددة لتكون أكثر مقاومة للزلازل.
وبشأن العمل الجماعي للتعامل مع تداعيات الزلزال، قال المهندس عرنوس إن السوريين تكاتفوا جميعاً لتجاوز آثار الكارثة، وكانت حلب متقدمة في هذا المجال، حيث تم مجتمعياً استئجار مئات الشقق لإسكان المتضررين دون أي مقابل مادي، والدولة تستنهض وتدعم هذا الجانب الإيجابي في المجتمع، أما الحالات الفردية التي استغلت كارثة الزلزال فالمجتمع كفيل بمحاسبتها وتعريتها.
وبخصوص تضرر عدد من الأبنية المشيدة حديثاً جراء الزلزال أوضح المهندس عرنوس أن محاسبة المسؤولين عن سقوط هذه الأبنية ليست غائبة عن الحكومة، حيث تم تشكيل لجنة خماسية من نقابة المهندسين ووزارتي الأشغال العامة والإسكان والإدارة المحلية والبيئة وأساتذة الجامعات والمقاولين لتحديد الأسباب، وإذا كان هناك من أسباب مباشرة وظاهرة فسنقوم بالمحاسبة، أما إذا كانت عامة وغير واضحة فإننا سنضع نتائج هذه اللجان لدى أي صاحب حق، وسنزوده بكل ما قامت به اللجان ويدفع فيه للقضاء لتحصيل حقه.